بين القصص والأفلام والألعاب ومسلسلات الرسوم المتحركة، طريقة تقديم الرجل العنكبوت تختلف، لكنّ الشخصية تُقدم غالبا (دائمًا؟) كذلك الفتى البسيط اليتيم الذي تُلقى عليه أعباء انقاذ مدينته من المخاطر بعدما حصل على قدرات العنكبوت، والتحدي في كل مرة، كيف تقدم هذه الشخصية مُجددا للمشاهد، بمقدارٍ كافٍ من التجديد يجعلها مثيرة للاهتمام في كل مرة، القصّة تتكرر في Your Friendly Neighborhood Spider-Man، لكن بشكلٍ جديد وتعديلات كثيرة.
في Your Friendly Neighborhood Spider-Man يتعرض بيتر باركر المراهق الخجول مُحب العلوم للدغة عنكبوت، ليتحول لبطل خارق يواجه قوى الشر في المدينة، يتقاطع العمل مع قصة الشخصية الكلاسيكية في هذا وفي أشياء أخرى، منها بعضُ الشخصيات والأشرار، العمّة جين مثلا، لكن يتقاطع أيضًا مع عالم مارفل، لذا توقع أن تجد شخصيات ذلك العالم وتلميحات إليه حتّى وإن كان التركيز على بناء عالم سبايدرمان كما تعرفت إليه سابقًا.
البطل والجار الودود سبايدرمان
لا أنكر أنّ بناء قصة الرجل العنكبوت هنا مختلفة، نعم لسعة عنكبوت سبب في تحوّله، لكن كيف ومتى وطريقة ظهور الشخصيات مختلفة. سواء له أو للشخصيات من حوله، الأشرار منهم والأخيار، يُعتبر هذا العمل بداية لهم، كأنّك تتعرف عليهم أول مرة، هذا يجعل منظور الكتابة مُختلفًا ومُتفردا بشكلٍ كاف ليجعل أغلب الشخصيات المهمة مُثيرة للاهتمام، من يعرف بيتر فقط، من يعرف الرجل العنكبوت فقط، ومن يعرف أن الأول هو الثاني، كيف يُكشف القناع ولمن يَكْشِف بيتر القناع.
لن أقول أنّ بناء كل الشخصيات يأخذ وقتًا طويلًا، بعض الشخصيات متواجدة في العالم بشكلها النهائي ويلقاها بيتر على حالها كما تُعرف في القصص المصورة، ويعود العمل لشرح بداياتها رُبما بشكلٍ مختصر، لكن شخصيات أخرى تُبنى شخصياتها بشكلٍ متوازٍ مع بناء شخصية سبايدرمان من الصفر، هذا يجعل إيقاع العمل بطيئًا، ويُركز بشكلٍ محدود على القتال في بدايته، نوعية الخطر تكون أقل في بداية العمل، والمتاعب التي يقع فيها بيتر قد تكون أكبر من المتاعب التي يقع فيها الرجل العنكبوت، لذا إن كان اهتمامك بصاحب البذلة وليس من خلفها، فقد تجد الاستمتاع بـYour Friendly Neighborhood Spider-Man في الحلقات الأولى مسألة صعبة، خاصة بتواجد عناصر تجعل العمل ليس بطيئًا فقط، ولكن ثقيلًا إن تثاقلت حياة المراهقين التي يعيشها بيتر.
بعد ذلك، تُصبح الحلقات مشحونة بالمواجهات، وتنفجر القتالات التي تُظهر قدرات الرجل العنكبوت الاستعراضية بشكلٍ أكبر، انضمام شخصيات أقوى من الجانبين الخيّر والشرير، يجعل التواجه بينها أكثر حماسًا، ويفسح المجال أمام مشاهد أكشن استعراضية جذابة، بتوجه فني يتلاعب بالإضاءة وسرعة الشخصيات وقدراتهم المختلفة.
شخصية سبايدرمان هنا لا تختلف كثيرًا عن بقية الأعمال، مقدم كفتى مراهق يشعر بالخوف والشك في قدراته، لكنه يميل للتضحية، مازال شخصية كثيرة المزاح، ولو أن العمل ملون بشكل كبير، إلّا أنه يميل أحيانا للسوداوية والدموية حتّى، ويحاول معالجة قضايًا جادة، شيء لا أراه مختلفا عن أعمال الرجل العنكبوت التي شاهدت.
إن كنت معجبا سابقًا بالشخصية وعالمها، فتوقع أن تقرصك السلسلة إن كان عندك تعلق بشخصيات هذا العالم، بعضها مكتوب بشكلٍ مختلف،نوايا الشخصيات وجنسهم تغير، رغم أن النوايا قد لا تبدو واضحة من البداية، والعمل يزيد الغموض عندما يقترب من النهاية، لذا كتقييم مبدئي، فالأربعة حلقات الأخيرة تُعتبر الأفضل والأكثر احتواء على مشاهد القتال، إن كان هذا ما يهمك.
العمل يسيء أحيانًا تقديم بعض الأحداث، لذا تشعر أنّها محذوفة، لكن قفزات الزمن وكذلك المساحة الخاوية بين حدث وآخر يُمكن افتراضها بناء على أعمال أخرى لنفس الشخصية، أمّا أحيانا أخرى فيُسرع بناء بعض الأحداث، قد يظلم ذلك بعض الشخصيات التي تُقدم بشكلٍ سريع لتدخل القصة، ولطالما استثقلت أعمال مارفل التي تتطلب منك معرفة العالم كاملا، ستشعر بنفس الأمر هنا لكن بشكلٍ أبسط، لكن معرفة بعض شخصيات عالم مارفل وسبايدرمان التي لا يقدمها هذا العمل بأي شكل قد تزيد مقدار استمتاعك.
هوّية فنية مميزة
ألوانُ العمل شديدة للغاية، قائمة الألوان كثيرة ويمكن للمشهد أن يحتوي عددًا كبيرًا منها، أحيانا بشكلٍ يجعلها مربكة، لكن هناك انسجام في الغالب بينها، بل هناك استخدام رائع للمنظور وزوايا الكاميرا وتناغم المشاهد لصناعة أجواء العمل المميزة، يُمكن أن يحتوي المشهد شخصية في المقدمة بحجم كبير، أو مُجسم أو مركبة أو حتى مجموعة شخصيات، وفي نفس المشهد بيتر أو سبايدرمان بشكلٍ أصغر بعيدًا، ما يعطي الألوان هنا فائدة أكبر.
المسلسل يستخدم توجهّا فنيا شبيها بالقصص المصورة مع خطوط تحديد بارزة وألوانٍ قوّية للغاية، لا يحترم العمل واقعية الإضاءة ما يصنع مشاهدًا جميلة، العمل يعتمد على تقديم مشاهد وسط إضاءات مُختلفة في أوقات مختلفة وفي مساحات مُختلفة، وهو ما أثار اهتمامي وإعجابي كثيرًا، المشاهد المعتادة للرجل العنكبوب وهو يتأرجح بين الأبنية وناطحات السحاب، أو يُقاتل الأعداء، تحصل الآن وسط مشاهد فنيّة تُعززها الإضاءة بشكلٍ كبير.
التشابه بين المسلسل والقصص المصورة ليس في الألوان أو التوجه الفني فقط، بل حتّى في تقديم المشاهد، أحيانا تنقسم الشاشة لمستطيلات بنفس الشكل الذي تجده وسط صفحات القصص المصورة، وهذا بالإضافة لما ذكرت سابقًا عن المنظور، يقدم توجهًا فنيا فريدًا يجعله مثيرا للاهتمام، حيويا ويجر انتباه المشاهد بشكل جيد لأكثر من عنصر مهم واحد في نفس الوقت.
لا أمانع استخدام توجه فني ثلاثي الأبعاد في العمل، رغم أنه أظهر قدرة مذهلة على عرض بعض القتالات والمشاهد بشكلٍ جيد، لكنني أجد صعوبة في تقبل تصميم الشخصيات، خاصة الأنثوية أو الشخصيات التي لا تتميز بتفاصيل مميزة، وأشعر كلما ظهرت بأن التحريك به خلل، قد تشعر أنّ حركة القتالات أبطأ كذلك لنفس السبب، لكن ربما هي مسألة اعتياد فقط.
أعتقد من بين الكثير من افتتاحيات أفلام سبايدرمان، تدخل افتتاحية هذا الجزء لقائمة مفضلاتي، تعمل بشكلٍ جميل كصلة وصل بين الأعمال الكلاسيكية، إضافة لمشاهد مقتبسة عن القصص المصورة، لكنّها تُجدد عليها وتجعلها عصرية دون أن تفقد هويتها، هذا يتلاءم جدًا مع بقية المقطوعات الموسيقية الملائمة بشكلٍ رائع مع الأحداث، صحيح أنّ الكثير منها يُشعرك أنك تستمع لشيء لا يختلف عن أي معزروفة أبطال خارقين وقد يكون ذلك صحيحا، لكن ستتعرف بلا شك كلما تابعت الحلقات على هوّية العمل الخاصة التي تجعل ألحانه معهودة وقريبة ممّا سمعنا في أفلام سبايدرمان، لكنها تمتلك كذلك لمستها الخاصة.
إجمالًا، هذه بداية جديدة لقصة سبايدرمان، لكنها قصة مبنية وسط قصة أكبر وأضخم، مع عالم سبايدرمان المعروف وعالم مارفل كذلك، إعادة سردها بشكل مختلف يسمح بالإبقاء على الغموض، التلاعب بالشخصيات لتظهر بأسمائها الحقيقية ومظهرها المعروف بعد أحداث معينة يجعلني متحمسًا لمعرفة المزيد، ورجل عنكبوت متهور ودون خبرته، شخصية تجعل العمل مميزا في بدايته، الحلقات الأخيرة عصرت كل ذلك وهي الأجود، لذا إن وجدت قدرة على تقبل بطء العمل واختلافه في البداية، فقد تُسر بالنتيجة، في انتظار موسم ثانٍ.